لطالما سعى البشر إلى الجمع بين الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف والذي يُعد ركيزة أساسية للتواصل الإنساني، وبينما برزت قدرة الذكاء الاصطناعي على إنجاز مهام منطقية معقدة، واجه فهمه للعواطف تحديات كبيرة.
يشير ألان وينفيلد، أستاذ الروبوتات بجامعة غرب إنجلترا، إلى أن 60 عامًا من أبحاث الذكاء الاصطناعي قلبت المفاهيم رأسًا على عقب، فما اعتبرناه سهلًا في البداية كفهم المشاعر، تبين أنه معقد للغاية، بينما اعتبرنا مهامًا صعبة كلعب الشطرنج فكانت في الواقع سهلة المنال بالنسبة للذكاء الاصطناعي.
في هذا المقال، نستعرض رحلة الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف من حل الألغاز إلى محاولة فهم المشاعر، ونسلط الضوء على التحديات والإمكانيات الهائلة التي تتيحها هذه التقنية في مجالات شتى.
ما هو الذكاء الاصطناعي العاطفي؟
يتيح الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف، المعروف أيضًا بالحوسبة العاطفية، كفرع متسارع النمو في مجال الذكاء الاصطناعي، للحواسيب تحليل وفهم علامات اللغة البشرية غير اللفظية، مثل: تعابير الوجه، ولغة الجسد، والإيماءات، ونغمات الصوت، لتقييم حالة الأشخاص من الناحية العاطفية.
بالتالي، يعتمد التعرف على الوجه باستخدام شبكات عصبية عميقة والذكاء الاصطناعي البصري على تحليل مظهر الوجوه في الصور ومقاطع الفيديو باستخدام تقنيات رؤية الحاسوب لتحديد الحالة العاطفية للأفراد.
ومن بين جميع المهام الرئيسية في الرؤية الاصطناعية، يُعد تحليل العواطف البصرية واحدًا من أصعب المهام، نظرًا للفجوة العاطفية التي تفصل بين البكسلات ذات المستوى المنخفض والعواطف ذات المستوى المرتفع.
ومع ذلك، فإن تحليل العواطف البصرية لا يزال واعدًا، حيث يبرز فهم العواطف البشرية كخطوة حاسمة نحو تطوير الذكاء الاصطناعي القوي.
ومع التطور السريع للشبكات العصبية العميقة (CNNs)، أصبح التعلم العميق هو الطريقة الجديدة المفضلة لمهام تحليل العواطف، وفيما يلي كيفية التعرف على العواطف وتحليلها باستخدام الذكاء الاصطناعي:
- الخطوة الأولى: الحصول على إطار الصورة من الكاميرا المستخدمة، مثل كاميرا IP أو كاميرا مراقبة أو كاميرا USB.
- الخطوة الثانية: معالجة الصورة، وتشمل قص الصورة، وتغيير حجمها، وتدويرها، وتصحيح الألوان.
- الخطوة الثالثة: استخراج الميزات المهمة باستخدام نموذج شبكة عصبية عميقة.
- الخطوة الرابعة: تصنيف العواطف.
وتعتمد عملية التعرف على العواطف باستخدام الذكاء الاصطناعي على ثلاثة خطوات متسلسلة، هي:
1. كشف الوجه في إطار الفيديو والصور
يعتمد تحليل العواطف على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام مجموعة كبيرة من الصور والفيديوهات التي تحتوي على تعابير وجهية معروفة ومصنفة مسبقًا، ويتم تدريب هذه النماذج على تعلم العلاقة بين الملامح الوجهية والعواطف المختلفة، مما يسمح لها بالتعرف على العواطف في الصور ومقاطع الفيديو الجديدة.
2. معالجة الصورة
تستخدم الشبكات العصبية العميقة، مثل الشبكات العصبية المتعددة الطبقات (CNNs)، لتحليل الصور واستخراج الميزات المهمة.
ويتم تدريب هذه الشبكات على تعرف الأنماط والملامح الوجهية التي ترتبط بالعواطف المختلفة، مثل: التعابير السعيدة أو الحزينة أو الغاضبة أو المرتبكة وغيرها، ثم تمثيل هذه الميزات في مساحة معينة مع تعلم الشبكة وقدرتها على تصنيف العواطف بناءً على الميزات المستخرجة. يمكنكم التعرف على كيفية تحليل الفيديو بالذكاء الاصطناعي.
3. تحليل العواطف
بعد تدريب النموذج، يمكن استخدامه لتحليل العواطف في الصور ومقاطع الفيديو الجديدة، وذلك بتمرير الإطارات من الصورة أو مقطع الفيديو من خلال النموذج، ويقوم النموذج بتصنيف العواطف المختلفة بناءً على الميزات المستخرجة.
يمكن أن يكون الإخراج عبارة عن تصنيف للعاطفة الرئيسية الموجودة في الصورة أو مقطع الفيديو، مثل: الفرح أو الحزن أو الغضب، بالإضافة إلى درجة الشدة أو التوتر لكل عاطفة.
تقنيات تحليل المشاعر Sentiment Analysis بالذكاء الاصطناعي
شهد مجال الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف من خلال تعبيرات الوجه تقدمًا هائلًا، مع ظهور خوارزميات وطرق جديدة بشكلٍ مستمر.
أدت التطورات الحديثة في تقنيات التعلم الآلي إلى إحداث نقلة نوعية في مجال البحث، حيث تظهر الأنظمة كل عام دقة متزايدة، وتمثلت هذه التطورات فيما يلي:
1. التحديات قبل 2014
على الرغم من التقدم الكبير، لا يزال اكتشاف العواطف تحديًا كبيرًا، فقبل عام 2014، اعتمدت الأساليب التقليدية على تصميم خصائص يدوية لم تكن كافية لتمثيل جميع العوامل العاطفية المعقدة.
2. بعد عام 2014
بعد عام 2014، ظهرت خوارزميات التعلم العميق مستوحاة من عمل الدماغ البشري، لتقدم حلولًا فعالة، فتمكنت شبكات الالتفاف العصبية (CNN) من تحليل برامج الصور بكفاءة عالية، وذلك أدى إلى تحسينات ملحوظة في مهام التعرف على العواطف.
3. التطورات الحديثة
منذ عام 2020، ظهرت شبكات عصبية متخصصة تُسمى “شبكات الالتفافية المقترنة المشرفة بشكل ضعيف” (WSCNet) لتحلل المشاعر بشكل أكثر دقة، إذ تركز على مناطق محددة من الصور وسياقاتها، وذلك يعزز دقة التقييم.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف وتعبيرات الوجه
أظهرت الدراسات أن تقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة في التعرف على المشاعر من خلال تعبيرات الوجه بدقة تصل إلى أكثر من 96٪ في الوقت الفعلي، أدى ذلك إلى ازدياد الطلب على هذه التقنية وتطبيقها في مختلف المجالات، وذلك دفع المؤسسات إلى البحث عن طرق لأتمتة عملية تحليل المشاعر، وتشمل أهم هذه المجالات ما يلي:
1. الذكاء الاصطناعي في مجالي علم النفس والأعصاب
يتيح التعرف على المشاعر لخبراء علم النفس والأعصاب فرصًا واسعة لتشخيص العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية، فمن خلال تحليل تعبيرات الوجه، يمكنهم تقييم حالة المريض بشكل أسرع وتحديد الأولويات لعلاج الحالات الأكثر إلحاحًا.
2. المراقبة والأمن
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف وتعبيرات الوجه في أنظمة المراقبة والشرطة والأمن لتعزيز السلامة العامة، وبذلك يمكن لهذه الأنظمة رصد المشاعر السلبية في الأماكن العامة، وبالتالي يساعد ذلك على منع الجرائم والقبض على المجرمين.
3. في مجالي التسويق والإعلان
يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف أن تحدث ثورة في مجالي التسويق والإعلان، فأصبح يمكن استخدامها لفهم مشاعر العملاء بشكل أفضل وتصميم إعلانات تلامس احتياجاتهم ورغباتهم بدقة، وذلك يؤدي إلى زيادة فاعلية الحملات التسويقية وتحقيق إيرادات أعلى.
4. خدمة العملاء
تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي للتعرف على المشاعر في مراكز خدمة العملاء لتقديم خدمة أفضل للعملاء، إذ يمكن تحليل مشاعر العملاء وتوجيههم إلى ممثل خدمة عملاء مناسب لمعالجة مشكلتهم، وذلك يحسن رضا العملاء ويعزز تجربتهم.
5. مجال التعليم
يقدم الذكاء الاصطناعي العاطفي إمكانيات هائلة لتعزيز وتطوير العملية التعليمية، من خلال تطبيقاته المتنوعة التي تخلق بيئة تعليمية فعالة، للأسباب التالية:
أولاً: فهم تركيز الطالب وتعزيز التعلم الشخصي
يمكن للذكاء الاصطناعي العاطفي تحليل تعبيرات وجه الطالب لفهم مستوى تركيزه وفهمه للمحتوى الدراسي، سواء في بيئة تعليمية تقليدية أو عبر الإنترنت.
فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي رصد علامات الحيرة أو الارتباك على وجه الطالب أثناء شرح مفهوم معين، مما يشير إلى صعوبة فهمه للمحتوى.
بناءً على هذه المعلومات، يستطيع المعلم تخصيص شرحه وتقديم المحتوى بطرق مختلفة، مثل: استخدام الفيديوهات أو الواقع الافتراضي، حتى يضمن فهم الطالب للمادة، كما يتيح ذلك إمكانية تقديم تعليم شخصي مصمم خصيصًا لكل طالب، بما يلبي احتياجاته الفردية ويعزز من مشاركته في العملية التعليمية.
ثانياً: رصد مشاعر الطلاب ودعم صحتهم النفسية
يمكن تحليل صوت الطالب لفهم مشاعره ومستوى انخراطه في العملية التعليمية، وبالتالي يمكن رصد أي علامات توتر أو إحباط، كما تقدم هذه المعلومات للمعلم مؤشرات حول الصحة النفسية للطالب، والتي تمكنه من تقديم الدعم اللازم له لمعالجة مشاعره السلبية وتعزيز شعوره بالراحة والتركيز.
ثالثاً: تحسين مطابقة الطلاب والمعلمين
يتفاعل الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف مع الطلاب والمعلمين من خلال منصات التعليم عبر الإنترنت، والذي يساعد بدوره على تحسين عملية مطابقة الطلاب مع المعلمين المناسبين.
فعلى سبيل المثال، يمكن تحليل سلوكيات المعلمين خلال مقابلات التوظيف لفهم شخصياتهم وأساليبهم في التدريس، أو مراقبة تفاعل الطلاب والمعلمين أثناء الحصص الدراسية عبر الإنترنت لتحديد مدى انسجامهم.
الخلاصة
يمثل اكتساب الذكاء الاصطناعي وتحليل العواطف تحديًا هائلاً، لكنه يقدم في الوقت ذاته فرصًا ثورية لمختلف المجالات، مثل: خدمة العملاء، والرعاية الصحية، والتعليم، والتسويق، وكذلك الأمن.
وعلى الرغم من فوائدها، لا تخلو تطبيقات التعرف على المشاعر من بعض التحديات الأخلاقية، فهنالك قلق بشأن دقة هذه الأنظمة في بيئات مختلفة، واحتمال وجود تحيزات في نتائجها، ناهيك عن مخاوف الخصوصية المتعلقة بمراقبة تعبيرات الوجه.
ولكن، من خلال التعاون بين الباحثين والمطورين وخبراء الأخلاق، يمكن ضمان استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لفهم المشاعر بشكل يفيد البشرية ويساهم في خلق عالم أفضل، وختاماً نرجو أن تكون هذه المعلومات قد ساعدتكم على فهم دور الذكاء الاصطناعي في تحليل المشاعر، ونرحب بتعليقاتكم واستفساراتكم.